أحمد الصاوى
الفارق الشاسع بين جمال مبارك ووالده يمثل أحد أبرز التحفظات التى
يمكن أن تكون لدى الشارع فى مسألة ترشيحه للرئاسة، وهى المسألة التى باتت،
دون إعلان منه، احتمالاً كبيراً، خاصة بعد خروج قيادات فى الحزب «باتفاق
مسبق أو بمبادرة شخصية» لإعلان أن أمين السياسات سيكون مرشح الحزب الحاكم
فى انتخابات الرئاسة المقبلة.
الواجب أن تنظر بكثير من التقدير والاعتبار لمسيرة الرئيس مبارك المهنية
كضابط فى القوات المسلحة، وحتى توليه مسؤولية الرئاسة، حتى لو كنت تختلف
مع سياسات تبناها، أو مواقف اتخذها خلال فترة حكمه التى تستمر لعامها
الثلاثين.
فى البدء كان الرئيس مبارك، ومن سبقوه فى هذا الموقع، أبناء للطبقة
المتوسطة، التى عانت وربطت الأحزمة حتى يتعلم أبناؤها، ويحصلوا على فرص
أفضل فى مجتمع كان يقدر قيمة العلم، وكان يترجم هذه القيمة بتحول ملموس فى
مستويات المعيشة والاعتبار، والتقدير الاجتماعى.
أنت متأكد أن الرئيس مبارك تعرض، طوال مسيرته كطالب وضابط وقائد ونائب
لرئيس الجمهورية، إلى «تقييم نزيه» فى كل مرحلة من هذه المراحل، لم يجامله
أحد فى أى مرحلة من هذه المراحل، ولم يشتبه فى محاباته عند ترقيته لأى موقع
فى القوات المسلحة، ومثل، طوال مسيرته، نموذجاً للانضباط العسكرى والإدارى
والتنفيذى، بمعنى أنه لم يستند طوال هذه المسيرة على شىء سوى عمله
واجتهاده، وكوفئ على هذا العمل بترقيات متتالية، وتحمل مسؤولية تخريج دفعات
الطيران من الكلية الجوية التى تولى إدارتها بقرار من الرئيس جمال
عبدالناصر، فى توقيت بالغ الحساسية، ن
جح خلاله فى تخريج دفعات الطيارين الذين خاضوا حرب أكتوبر المجيدة فيما
بعد، وهذه الكفاءة هى التى جعلت الرئيس السادات يختاره قائداً للقوات
الجوية خلال الحرب، وأداؤه المشهود له فى المعارك هو الذى وضعه فى بؤرة
الاختيار لموقع نائب رئيس الجمهورية، الذى مهد له بلوغ الرئاسة عقب اغتيال
السادات.
الفارق، كما قلت لك، شاسع جداً، فجمال مبارك لا يمكن أن تعتبره ابناً
للطبقة المتوسطة بأى حال، وإذا كان ليس من اللائق أن نحاسب الرجل على وضع
اجتماعى واقتصادى استحقه باعتبار أنه تراكم حالة من التطور الاجتماعى
والاقتصادى لعائلته، إلا أن ما هو مؤكد أنه على عكس أبيه تماماً لا يمكن
الجزم، إطلاقاً، بأنه تعرض لأى عملية «تقييم نزيه» طوال حياته العملية،
خاصة بعد تخرجه فى الجامعة الأمريكية، فى وقت متزامن مع تولى والده مقاليد
الحكم فى البلاد.
دعك من أنه لم يختبر، كوالده، فى أى مهمات تنفيذية أو إدارية، إلى جانب
أنه لم يختبر سياسياً فى موقع يكون الوصول إليه عبر انتخاب نزيه، إلا أن
فكرة «نزاهة التقييم»، التى لم يخضع لها، تبقى عاملاً مهماً فى «تقييم»
صلاحيته للمهمة التى لم يبد رغبة لها، بينما يتعامل أنصاره والمقربون منه
معها على اعتبار أنها حقيقة خرجت نهائياً من سياق الاحتمالات.
انظر إلى رحلة صعوده السياسى السريعة جداً داخل الحزب الوطنى حتى صار
محركاً رئيسياً وفرساً يكاد يكون وحيداً فى المضمار، واسأل نفسك: هل بلغ
ذلك بـ«تقييم نزيه»، أم لكونه نجل رئيس الجمهورية؟ وهل أفكاره هى التى تفتح
له الأبواب وتحشد حوله الأنصار والأصدقاء، أم لأنه نجل رئيس الجمهورية؟
وعندما تفرغ من إجاباتك اسأل هؤلاء الذين يروجون له: لماذا تريدون للرجل أن
يخضع لأول اختبار حقيقى فى حياته وهو فى مقعد الرئاسة، وكأنه سيحكم 80
مليون فأر تجارب..؟!
sawyelsawy@yahoo.com